يؤكد الأستاذ (محمد جلال كشك ) في هذا الكتاب على علاقة الإسلام بالثورة العربية، ويبين المفاهيم المعادية للإسلام التي ابتدعتها ثورة (لورنس ) وورثتها الحركات القومية في الشرق العربي، كما يؤكد على أن إسلامية الثورة الجزائرية ليست ظاهرة جزائرية، بل هي الوضع الطبيعي للثورة العربية الشاملة. كما يوضح بعض النماذج المتأثرة بالغزو الفكري الاستعماري.
بعد انتصار الثورة الجزائرية، واتضاح طابعها الإسلامي، والتي جاءت على عكس ما قاله المفسرين في المشرق العربي: "إنه لا ثورية إلا بنفي الإسلام، ومحاربته "؛ فجاءت الثورة الجزائرية مفاجأة لهم، فراحوا يُقْسِمُون بأغلظ الأيمان، أنها ظاهرة جزائرية، سببها رعونة الفرنسيين، وأنها لا تصلح للنقل والتطبيق، ولا داعي للمغالاة في أهمية هذا الحدث الذي يرجى زواله بإذن الله! وهكذا أثبتوا أنهم ليسوا فقط عاجزين عن الاكتشاف، بل عاجزين حتى عن التعلُّم. وفي اعتقادي أن أزمة المشرق العربي، أو أزمة الحركة العربية، هي ذلك الجفاء بينها وبين الإسلام، ومحاولة خلق قومية علمانية على الطراز الأوروبي، دون مبرر أو سند تاريخي. ويمكن أن نرجع سر الفهم القاصر للقومية العربية، إلى أن الحركة التي يمثلها البعث والتيارات الدائرة في فلكه، هي من بقايا ما يُسَمَّي بـِ (الثورة العربية )، التي صنعها الإنجليز لتدمير (تركيا ) عدوتهم في الحرب العالمية الأولى.
الثورة العربية كما رسمها (لورنس ) وقادها، كانت ترى لنفسها هدفًا واحدًا، هو تحطيم (تركيا )، وإجلاء حيويتها عن المنطقة الواقعة بين شرق (السويس ) وغرب الخليج العربي. ومن الطبيعي أن هذه الحركة التي قامت ضد الخليفة، تتنافر مع أي تفكير في الوحدة الإسلامية، وكان من الطبيعي أن تتجاوب هذه الحركة التي صنعها وقادها (لورنس ) مع العرب.
لما انتهت الخلافة وسقطت الأمة العربية كلها فريسة للاحتلال الغربي، اتجهت الحركة الوطنية العربية ضد هذا الاستعمار، الذي فاق في إجرامه كل ما ارتكبه الأتراك والتتار. وهكذا نرى أن الحركة الوطنية في المغرب العربي لم تخض حربًا ضد (تركيا )، ولم تتعرض لهذه الفجوة بين العروبة والإسلام، بل كانت عروبتها في إسلامها، وإسلامها هو وطنيتها. بينما ظلت الحركة الوطنية في المشرق تشكو هذا الانفصال؛ فقد ورثت شعار القومية العلمانية.
ولقد كانت الدعوة للقومية العربية كما فسرتها الحركات الجديدة الناشئة في الشرق العربي – والتي كان قادتها من غير المسلمين –، تعني رَفْض الوحدة الإسلامية، واستبعاد الإسلام، على أساس فصل الدين عن الدولة. والغرب في عدائه لنا لم يفصل بين العروبة والإسلام، وليس من المعقول أن تقول إن هذه المعاداة من أجل البترول وحده – كما يظن البعض –؛ فـ (أوروبا ) تعادي العرب قبل اكتشاف البترول.
إننا نرث الوجود كما نرث اسمنا وجنسنا ولوننا. وبالطبع نستطيع أن نغير اسمنا وديننا، بل وأن نسلخ جلودنا ونستبدلها بأخرى، كما فعل (محمد حسن الإسكندراني ) وغيَّر دينيه وجنسيته، وسمَّي نفسه (بوليس مارتان )، ولكنه سيبقى أبد الدهر (محمد حسن الإسكندراني )، الذي تَجَنَّس بالجنسية الفرنسية. نحن نرث الوجود لحظة ميلادنا في عصر معين، وفي نقطة معينة من خطوط الطول والعرض، ولا نملك اختيار هذا الوجود، ولكننا أحرار في تقويمه، وتشكيله، أو الانقسام داخله، أو حتى التنكر له، والتبرؤ منه، ولكننا نحمل بصمته مدى الدهر.
وعندما تواجه أمة من الأمم تفوقًا حضاريًا يهدد وجودها بالفناء، وتعجز عن منافسة هذا التفوق أو امتصاصه، فإن أفضل ما نفعله هو الاحتماء بقوقعة وجودها المُتَخَلف، حتى تستجمع قوتها، أو يَضْعُفَ عدوها، فتخرج من قوقعتها. والوجود قضية موضوعية؛ فكما أنك لا تصنعه، كذلك فهو لا يتوقف على إحساسك وحده، بل وإحساس الآخرين بموقفهم من وجودهم. والمجنون الذي فرَّ هاربًا من الدجاج لتوهمه أنه حبة قمح، رغم اقتناعه بحجج الطبيب، ولكن المجنون كان لديه سببًا وجيهًا للفرار، عندما قال: نعم! أنا اقتنعت بأني لست حبة قمح ولكن من الذي يُقْنِعُ الدجاج؟
وأغلب الظن أن بعضًا من الذين دُفِنُوا في مقبرة (بورسعيد ) وكتب عليها جنود الاحتلال في 1956: "عشرون مسلمًا " بعضهم ليس مسلمًا، وبعضهم ربما كان ملحدًا، وبعضهم لم يأتي في خاطره على الإطلاق، أنه يواجه (بريطانيا ) و (فرنسا ) في النصف الثاني من القرن العشرين بوصفه مسلمًا. ولكن من الذي يُقْنِعُ الدجاج؟!
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان